Dξ§!Gй - M!dô عضو جديد
عدد المساهمات : 10 تاريخ التسجيل : 04/05/2010
| موضوع: مَــنْ أنــكَــرَ وَجَــآهَــدَ بــقلبَهُ فــهُوَ مُــؤمِـــنْ الثلاثاء مايو 04, 2010 12:54 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
من أنكر وجاهد بقلبه فهو مؤمن
الأمر بالمعـروف والنهي عن المنكر، تلك الفريضة الغائبة والشعـيرة الكـبرى، والعـبادة المغبون فيها كثير من المسلمين، والعمل الصالح الذي غفل عنه جُل المصلين، الذي هو سبب لصلاح الدنيا والدين، وبتجاهله والتقصير فيه الهلاك المبين، والتواطؤ على تركه نذير شؤم على العالمين؛ حيث ينتج عنه العذاب المهين، وحجب دعاء الداعين، وهلاك الصالحين والطالحين، بحكم رسول رب العالمين، حيث يقول: «والذي نفسي بيده لتأمرُنَّ بالمعروف، ولتنهوُنَّ عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم رواه الترمذي رقم (2170) وحسنه. . وعن أم المــؤمنين زيــنب بنــت جحــش - رضي الله عنها - أن النبي دخل عليها وهو يقول: «ويل للعرب من شر قد اقترب! فُتِح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه»، وحلَّق بإصبعيه: الإبهام والتي تليها، فقلت: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: «نعم! إذا كثر الخَبَث متفق عليه؛ مسلم رقم (2880).
وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَثَلُ القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها؛ فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذِ مَنْ فوقنا! فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاًً، وإن أخذوا على أيديهم نَجَوْا ونَجَوْا جميعاً» البخاري والمراد[5] بالقائم على حدود الله، وهي محارمه: المنكِر لها، القائم على دفعها وإزالتها، فعلى الرغم من أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفاية؛ كالجهاد إذا لم يتعين، لكن إذا تواطأت الأمة كلها على ترك أي فرض من فروض الكفاية، كالأمر والنهي والجهاد، أثموا جميعاًً وعمَّهم العذاب، وتوالت عليهم النكبات، وتسلط عليهم الأعداء وتداعوا عليهم من كل جانب، كما هو حال المسلمين اليوم. ومن فضل الله على هذه الأمة المرحومة أن الله رفع عنها كثيراً من الآصار والأغلال التي كانت على الأمم السابقة، من ذلك عدم التكليف بما لا يطاق، لهذا قال رسولها الرؤوف الرحيم، والناصح الأمين: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعف الإيمان»[6]. وقـال - صلى الله عليه وسلم - فيمـــا صـح عـنه عـن ابن مسعود - رضي الله عنه -: «ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون[7] وأصحاب يأخذون بسُنته، ويقتدون بأمره، ثـم إنهـا تخلف من بعدهـم خلوف[8]، يقـولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون؛ فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن؛ ومن جاهدهم[9] بلسانه فهو مؤمن؛ ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل»[10].
غير أن قطاعاً من المسلمين لم تسعه هذه الرحمة الواسعة، ولم تشمله هذه النعمة الفاضلة، فقصَّر حتى في أضعف درجات الإيمان، وأمسى وأصبح وليس في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، فهو من أموات الأحياء، ومن المنتكسين التعساء. وبعضهم الآخر لم يحقق هذه الدرجة الدنيا كما ينبغي، وإن تلبّس بها بعض التلبس؛ حيث لم يفِ بشروطها، ولم يتجنب نواقضها ومفسداتها، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى هناك فئة من المسلمين الغيورين، والشباب المتحمسين، لم يقنعوا بهذه الدرجة، بل منهم من لم يعدها شيئاً إيجابياً يرفع الحرج، هذا على الرغم من عدم استطاعته وقدرته على المرتبتين الفاضلتين: مرتبة اللسان واليد. لم يكتفِ بعضهم بهذا، بل أخذ يثرِّب على الآخرين إن بلسان الحال أو المقال، وربما ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك؛ إلى هجر ومقاطعة من قنع بذلك، وخير الأمور أوسطها.
فما شروط صحة الإنكار بالقلب؟ وهل هو رافع للحرج؟ وهل يعتبر أمراً إيجابياً أم سلبياً؟ هذا ما نود
الإشارة إليه في إيجاز، فنقول وبالله التوفيق:
• من لم ينكر بقلبه فقد سُلِبَ الإيمان: مما لا شك فيه أنه لا يحل لأحد أن يدع الإنكار باليد وهو قادر على ذلك؛ فإن عجز عنه وجب عليه الإنكار باللسان؛ فإن لم يقوَ عليه وجب عليه وجوباً عينياً الإنكار بالقلب؛ وإلا فقد ذهب إيمانه بالكلية كما أخبر سيد البرية؛ لأن القلــب لا يملكه إلا الله، ولا يحول بينه وبين صاحبه أحد. قال ابن رجب الحنبلي - رحمه الله - في شرحه لحديث[11] «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده...»
الحديث: (دلت هذه الأحاديث كلها على وجوب إنكار المنكر بحسب القدرة عليه، وأن إنكاره بالقلب لا بد منه، فمن لم ينكر قلبُه المنكر دل على ذهاب الإيمان من قلبه).
وقال ابن حزم - رحمه الله -[12]: (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على كل مسلم؛ إن قدر بيده فبيده، وإن لم يقدر فبلسانه، وإن لم يقدر فبقلبه ولا بد؛ وذلك أضعف الإيمان؛ فإن لم يفعل فلا إيمان له).
وقال أبو العباس القرطبي المالكي عن معنى الإنكار بالقلب: (أن يكره ذلك الفعل بقلبه، ويعزم على أن لو قدَر على التغيير لغيّره، وهذا آخر خصلة من الخصال المتعينة على المؤمن في تغيير المنكر، ولذلك قال في الرواية الأخـرى: «ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل» أي: لم يبقَ وراء هذه المرتبة مرتبة أخرى)[13].
ما ورد عن بعض الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ في نفي الإيمان عمّن لم ينكر المنكر بقلبه ـ بجانب ما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديثين السابقين ـ هناك العديد من آثارهم، نذكر منها ما يلي:
1 ـ سمع ابنُ مسعود - رضي الله عنه - رجلاً يقول: هلك من لم يأمر بالمعروف ولم ينهَ عن المنكر.
فقال ابن مسعود: «هلك من لم يعرف بقلبه المعروف والمنكر»[14].
2 ـ عن أبي جُحَيفة عن عليّ - رضي الله عنه - قال: «إن أول ما تُغلبون عليه من الجهادِ الجهادُ بأيديكم، ثم الجهاد بألسنتكم، ثم الجهاد بقلوبكم؛ فأي قلب لم يعرف المعروف ولا ينكر المنكر نكس فجعل أعلاه أسفلَه»[15].
3 ـ وعن وكيع عن سفيان عن حبيب عن أبي الطفيل قال: قيل لحذيفة: ما ميت الأحياء؟ قال: «من لم يعرف المنكر بقلبه وينكر المنكر بقلبه»[16].
4 ـ وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - كذلك: «أنه ستكون هَنَـات وهَنَـات، فبحســب امــرئ إذا رأى منكــراً لا يستطيع له تغييراً يعلم الله أنه له كاره»[17].
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس قاصراً على أصحاب الولايات؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: «الدين النصيحة» ثـلاثاً، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم»[18].
وما النصيحة إلا أمر بمعروف أو نهي عن منكر، وهي واجبة على ولاة الأمر وعامتهم، وواجبة على كل أفراد المجتمع حُكّاماً كانوا أو محكومين.
وهي ليست قاصرة على أصحاب الولايات؛ لأنها عبادة تعبّد اللهُ بها جميعَ الأمة حسب الطاقة، وإن كانت مسؤولية ولاة الأمر من الحكام والعلماء أكبر من مسؤولية العامة. يخطئ كثير من الناس حين يتنصلون من مسؤولياتهم في الأمر والنهي، ويقعون باللائمة على ولاة الأمر، بينما هناك منكرات المسؤولية فيها على (الآباء، والأمهات، والأساتذة، والمربين، ونحوهم) أكبر من مسؤولية ولاة الأمر؛ حيث إنها ربما ظهرت لهؤلاء وخفيت على ولاة الأمر. والتقصير في هذا الجانب من أي شريحة من شرائح المجتمع له خطره المتعدي على الأمة جمعاء، ولهذا قال رسـولنـا - صلى الله عليه وسلم -: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، والأمير راعٍ، والـرجل راعٍ عـلى أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده؛ فكلكم راعٍ ومسؤول عـن رعيتـه»[19]، فـقد عـمم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم خصص، ثم عمم على كل شرائح المجتمع.
فاحذر أخي المسلم أن يؤتى الإسلام من قِبَلِك، فمهما تكن منزلتك فأنت على ثغرة من ثغور الإسلام، بل ينبغي لكل مسلم أن يختزل مسؤولية حماية هذا الدين والذب عنه في شخصه، كما قال خليفة رسـول الله أبو بكـر الصـديق - رضي الله عنه - عندما لم يوافقه أحد في أول الأمر على حرب المرتدين وردع المارقين: «أَيُنتقص الدين وأنا حي؟! »، أو كما قال. قال الإمام النووي - رحمه الله -: (ولا يختص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأصحاب الولايات، بل ذلك جائز[20] لآحاد المسلمين).
قال إمام الحرمين[21]: (والدليل عليه إجماع المسلمين؛ فإن غير الولاة في الصدر الأول، والعصر الذي يليه، كانوا يأمرون الولاة بالمعروف وينهونهم عن المنكر، مع تقرير المسلمين إياهم، وترك توبيخهم على التشاغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غير ولاية)[22].
وقال الإمام الغزالي - رحمه الله - وهو يتحدث عن شروط الأمر والنهي: (كونه مأذوناً من جهة الإمام والوالي، وقد شرط قوم هذا الشرط ولم يثبتوا للآحاد من الرعية الحسبة، وهذا الاشتراط فاسد؛ فإن الآيات والأخبار التي أوردناها تدل على أن كل من رأى منكراً فسكت عليه عصى، إذ يجب نهيه أينما رآه، وكيفما رآه على العموم؛ فالتخصيص بشرط التفويض من الإمام تحكُّم لا أصل له.
والعجـب أن الــروافض[23] زادوا علــى هـذا، فقــالــوا: لا يجوز الأمر بالمعروف ما لم يخرج الإمام المعصوم! وهو الإمام الحق عندهم، وهؤلاء أخس رتبة من أن يُكَلَّموا)[24].
• العدالة ليست شرطاً في الآمر الناهي: يُحْجِم كثير من الناس عن الأمر والنهي لاعتقــادهم أنه لا ينبغي لأحد أن يأمر وينهى إلا إذا كان عَدْلاً
كاملاً، حذراً من قوله ـ - تعالى -ـ: [أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ] [البقرة: 44]، وقوله: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ] [الصف: 2 - 3]، والتوبيخ هنا بسبب ترك البر وعدم الانتهاء عن المنكر، وليس بسبب الأمر والنهي، وإلا لو كــان لا يأمــر بمــعروف ولا ينهــى عن منكر إلا العدول لما أمـر ولا نهى أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ الكمال له. قال الحسن لمطرِّف بن عبد الله: «عِظ أصحابك! فقال: إني أخاف أن أقول ما لا أفعل؛ قال: يرحمك الله! وأينا يفعل ما يقول؟! ويود الشيطان أنه قد ظفر بهذا فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينهَ عن منكر»[25].
وقال مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن: سمعتُ سعيد ابن جبير يقول: «لو كان المـرء لا يأمـر بالمعــروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء، ما أمر أحد ولا نهى عن منكر. قال مالك: وصدق؛ من ذا الذي ليس فيه شيء؟! »[26].
لا شك أن الأفضل والأكمل أن يأتمر المرء بما يأمر، وينتهي عما ينكر، ولكن إن لم يقدر على ذلك فشيء خير من لا شيء.
• شروط صحة الإنكار بالقلب: لا يتحقق الإنكار بالقلب ولا تبرأ به ذمة صاحبه إلا إذا توفرت فيه هذه الشروط وتحققت، وهي:
1 ـ كراهيته وبغضه لهذا المنكَر بغضاً كاملاً وكراهية تامة؛ كفراً كان هذا الأمر، أم بدعة، أم معصية. وتختلف درجة الكراهية والبغض للمنكر بقدر مخالفته ومجانبته لأمر الله ورسوله ونهيهما.
2 ـ العزم والتربص والسعي على إزالته باللسان أو اليد متى سنحت له الفرصة لذلك؛ فعليه ألا يقنع بإنكار القلب بالكلية، وإنما ذلك هو مرحلة وخطوة أولى في إنكار المنكر أجبره عليها عدم استطاعته على الخطوتين الأوليين. فمتى تمكّن من إزالة المنكر بالكلية أو إضعافه فعليـه ألا يتوانى في ذلك وإلا كان من الآثمين.
3 ـ مفارقة واعتزال مجالس المنكرات هذه وهجران أهلها. لا تتحقق توبة نصوح ولا إنكار بالقلب إلا بعد مزايلة ومفارقة مجالس المنكر في الحال وهجر أصحابها وتركهم، إلا إن لم يقوَ على ذلك.
قال ـ - تعالى -ـ: [وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إنَّكُمْ إذًا مِّثْلُهُمْ إنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْـمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا] [النساء: 140].
قال القرطبي في تفسير[27] [إنَّكُمْ إذًا مِّثْلُهُمْ] [النساء: 140]: (فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر؛ لأن من لا يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر. فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها؛ فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية. وقد روي عن عمر بن عبد العزيز أنه أخذ قوماً يشربون الخمر، فقيل له عن أحد الحاضرين: إنه صائم؛ فحمل عليه الأدب[28] وقرأ هذه الآية: [إنَّكُمْ إذًا مِّثْلُهُمْ] [النساء: 140]... إلى أن قال: إذا ثبت تجنُّب
أصحاب المعاصي كما بينا فتجنُّب أهل البدع والأهواء أوْلى.
وروى جبير عن الضحاك قال: دخل في هذه الآية كل مُحْدِث في الدين مبتدع إلى يوم القيامة).
وقال ابن عطية[29]: (والإجماع على النهي عن المنكر واجب لمن أطاقه، ونهي بمعروف، وأمن الضرر عليه وعلى المسلمين، فإن تعذر على أحد النهي لشيء من هذه الوجوه، ففرض عليه الإنكار بقلبه وألا يخالط هذا المنكر).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (ليس للإنسان أن يحضر الأمـاكن التـي يشـهد فيها المنــكرات ولا يمكنه الإنكار، إلا لموجب شرعي، مثل أن يكون هناك أمر يحـتاج إليه لمصلحة دينه أو دنياه ولا بـد فيه مـن حضـور، أو يكون مكرهاً)[30].
مراد شيخ الإسلام - رحمه الله - ألا يترك واجباً عليه لمنكر رآه. قال الدكتور عبد العزيز الفوزان: (فلا يترك الصلاة مع الجماعة مثلاً، لكون المسجد مزخرفاً[31]، أو كان جماعته مسبلين لثيابهم. وقد كان الإمام أحمد، كما جاء في طبقات الحنابلة[32]، إذا حضر جنازة ثم ظهر هناك بعض المنكرات، مثل النياحة أو الضرب بالدف، لم يرجع عنها، ويقول كما قال الحسن لابن سيرين: لا ندع حقاً لباطل)[33].
4 ـ أن يمعر وجهه على أصحاب المناكير. فالظاهر عنوان الباطن؛ فمن كره المنكر بقلبه عليه أن يبدي ذلك في وجهه، فيمعِّره ويقطبه في وجوه أصحاب المنكر إن لم يخشَ بأسهم إن كانوا من ذوي السلطان والجبروت. وهذه العلامة من أقوى المؤشرات على كراهية القلب لهذا المنكر، وقد يكون لها أثرها في إزالته بالكلية أو التقليل منه. ورحم الله ابن عقيل الحنبلي؛ حيث عد هذا التمعُّرَ في وجوه أهل البدع، لا سيما الكفرية لمن لم يتمكن من تغييرها، كما عدَّ الهجرَ من المؤشرات الأساسية لصدق الإيمان وكمال اليقين وإجلال الدين وإكرامه؛ حيث قال: (إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان؛ فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا إلى ضجيجهم في الموقف بِـ (لبيك!)، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة، عاش ابن الراوندي والمعري
ـ عليهما لعائن الله ـ ينظمون وينثرون: هذا يقول: حديث خرافة، والمعري يقول:
تَلَوْا باطلاً وجَلَوْا صارماً*** وقالوا: صدقنا، فقلنا: نعم!
يعني بالباطل كتاب الله - عز وجل -.
وعاشوا سنين وعظمت قبورهم، واشتُريت مصنفاتهم، وهذا يدل على برودة الدين في القلب، وهذا المعنى
قاله الشيخ تقي الدين ابن تيمية - رحمه الله - تعالى)[34].
قلت: لقد صدق ابن عقيل؛ إذ ما من شيء يجرّئ الزنادقة وأهل البدع الكفرية على التطاول على كتاب الله،
وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنكار ما هو معلوم من الدين ضرورة، واجتراره من حين
لآخر؛ إلا سكوت أهل الحل والعقد وعدم مواجهتهم، أو على الأقل هجرهم واعتزالهم؛ فكيف بطاعتهم لهم،
وتصديقهم إياهم في كفرهم وباطلهم؟
وصدق من قال: من وقّر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام.
وصدق الله من قبلُ في وصف فرعون وملئه: [فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ] [الزخرف: 54].
ولهذا قرر العلماء أنه من لم يكفِّر الكفار أو شكّ في كفرهم فقد كفر، مصداقاً لقوله ـ - تعالى -ـ: [فَمَاذَا
بَعْدَ الْـحَقِّ إلاَّ الضَّلالُ] [يونس: 32].
وعند الله تجتمع الخصوم، وسيجمع الله المنافقين وإخوانهم الكافرين في جهنم جميعاً، إنهم يرونه بعيداً
وهو قريب؛ إذ كل آتٍ قريب.
• الإنكار بالقلب أمر إيجابي وليس سلبياً:
الخلاصة أن الإنكار بالقلب، إذا توفرت فيه الشروط السالفة بجانب الصدق والإخلاص، يعتبر أمراً إيجابياً؛
ينجي العاجز عن الإنكار باليد واللسان من غضب الله، ويجعله في عداد المؤمنين، ولا يعتبر أمراً سلبياً
بشهادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث السابقة، وبشهادة جِلة من علماء الصحابة؛
حيث حكم له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالإيمان، ونفاه عمّن خلَّى قلبه عنه، لا سيما في آخر
الزمان وتكاثر الفتن وتفشي الآثام.
روى أبو داود[35] عن عبد الله بن عمرو قال: «بينما نحن حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ
ذكر الفتنة، فقال: «إذا رأيتم الناس مرجت عهودهم، وخفّت أماناتهم، وكانوا هكذا» ـ وشبك بين أصابعه،
فقمت إليه فقلت: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك؟ قال: «الزم بيتك، وأمسك عليك لسانك، وخذ بما
تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة! ».
وعند أبي داود[36] كذلك وغيره عن أبي ثعلبة الخشنـي - رضي الله عنه - أنه قيل له: كيف تقول في
هذه الآية: [عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ]؟ [المائدة: 105]، فقال: أما والله لقد سألت عنها رسول الله، فقال: «بل ائتمروا
بالمعروف، وانتهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، ودنيا مُؤْثَرة، وإعجاب كل ذي
رأي برأيه، فعليك بنفسك ودع عنك أمر العوام».
وقال سيد قطب - رحمه الله -: (قد يجيء على المسلمين زمان لا يستطيعون فيه تغييـر المنكـر
بأيديهـم، ولا يستطيعون فيه تغيير المنكر بألسنتهم، فيبقى أضعف الإيمان، وهو تغييره بقلوبهم؛ وهذا ما
لا يملك أحد أن يحول بينهم وبينه، إنْ هم كانوا حقاً على الإسلام.
وليس هذا موقفاً سلبياً من المنكر كما يلوح في بادئ الأمر، وتعبير الرسول - صلى الله عليه وسلم -
بأنه تغيير دليلٌ على أنه عمل إيجابي في طبيعته؛ فإنكار المنكر بالقلب معناه: احتفاظ هذا القلب
بإيجابيتـه تجـاه المنكـر، أنـه ينكـره ويـكرهه ولا يستسلم له، ولا يعتبره الوضع الشرعي الذي
يخضع له ويعترف به.
وإنكار القلب لوضع من الأوضاع قوة إيجابية لهدم هذا الوضع المنكر، وإقامة الوضع «المعروف» في أول
فرصة تسنح، والتربص بالمنكر حتى تواني هذه الفرصة، وهذا كله عمل إيجابي في التغيير، وهو على كل
حال أضعف الإيمان؛ فلا أقل أن يحتفظ المسلم بأضعف الإيمان)
واللهَ أسأل أن يشرح صدورنا للإيمان، وأن يقوي يقيننا، ويفقهنا في الدين، حتى يسعنا ما وسع السلف
الصالحين، وأن يرفع عنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يحيينا مسلمين، ويتوفانا مؤمنين، غير خزايا
ولا مفتونين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وآله وصحبه والتابعين.
[right]
----------------------------------------
(*) رئيس الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة بالسودان. | |
|
abuahmad عضو جديد
عدد المساهمات : 10 تاريخ التسجيل : 05/05/2010
| موضوع: رد: مَــنْ أنــكَــرَ وَجَــآهَــدَ بــقلبَهُ فــهُوَ مُــؤمِـــنْ الخميس مايو 06, 2010 11:47 am | |
| | |
|
د-محمد سالم عضو جديد
عدد المساهمات : 10 تاريخ التسجيل : 06/05/2010
| موضوع: رد: مَــنْ أنــكَــرَ وَجَــآهَــدَ بــقلبَهُ فــهُوَ مُــؤمِـــنْ الخميس مايو 06, 2010 11:35 pm | |
| | |
|